روائع مختارة | روضة الدعاة | تاريخ وحضارة | علم الفلك.. في الحضارة الإسلامية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > تاريخ وحضارة > علم الفلك.. في الحضارة الإسلامية


  علم الفلك.. في الحضارة الإسلامية
     عدد مرات المشاهدة: 3840        عدد مرات الإرسال: 0

كانت لدى المسلمين بواعث عملية ودينية للاهتمام بعلم الفلك؛ فاتساع الأرض الإسلامية، وصحراوية كثير منها.

يحتاج لمعرفة النجوم والسير على هداها. كما أن تعيين أوقات الصلاة في كل بلد يستلزم معرفة الموقع الجغرافي طولًا وعرضًا.

وموقع الشمس في فلكها، ويقتضي تحديد القبلة معرفة موقع البلاد، وكذلك يوجب تحديد صيام رمضان ونهايته معرفة طرق رؤية الهلال، في ظل الظروف التي قد لا تكفي العين المجردة للقيام بالأمر.
 
معرفة المسلمين بعلم الفلك قبل العصر العباسي:

ظلت معرفة المسلمين بعلم الفلك في فترة صدر الإسلام والعصر الأموي معرفة متواضعة، تقتصر على ما يدرك بمجرد العيان، كما ذكر "نلّينو"، دون أن تتكئ على أسس علمية ثابتة، أو معرفة موسعة بعلوم الرياضيات، باستثناء ما تردد عن ترجمة كتاب في الفلك بعنوان "عرض مفتاح النجوم" لهرمس الحكيم، ترجم في ذي القعدة من سنة (125هـ/ 743م).

ورُوي كذلك أن الوزير الفاطمي "أبا القاسم علي بن محمد الجرجاني" عثر في خزانة الكتب الفاطمية عام (435هـ/ 1044م) على كرة من نحاس من علم بطليموس مكتوب عليها "حُملت هذه الكرة من الأمير خالد بن يزيد بن معاوية" حفيد معاوية بن أبي سفيان، وهي رواية تؤكد ما تردد عن اهتمام الأمير خالد بالفلك وغيره من علوم الأوائل، وأنه أول من تُرجم له كتب الطب والنجوم والكيمياء.
 
ويوشك الإجماع بين المصادر التاريخية أن ينعقد على أن نهضة الفلك في العصور العباسية بدأت على يد أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي الثاني، الذي شغف بالعلوم خاصة بالفلك، فكان يصطحب معه نوبخت الفارسي المنجم، فلما ضعف عن الخدمة أمر المنصور بإحضار ولده (أبي سهل بن نوبخت)؛ ليقوم مقامه.
 
وسعى الخليفة أبو جعفر المنصور إلى إحياء علم الفلك مستعينًا في ذلك بطائفة من علماء الهند؛ ففي سنة (154هـ/ 770م) حضر إلى بغداد عالم هندي ذو دراية واسعة بعلم الفلك، مصطحبًا معه كتابًا في الفلك باللغة السنسكريتية يسمى "السِّدَّ هَنتا" أو "السِّد هانْتَ"، ألفه أحد علماء الفلك الهنود.

وقد عُرف الكتاب بعد ترجمته إلى العربية بكتاب "السند هند"، ويشتمل على مقدمة وجيزة، مُرْفَق بها عدد من الجداول الفلكية في تحركات الأجرام السماوية، وطلوع ومغيب البروج، وقد حسبت هذه الحركات على أسس دورات زمنية تضم آلاف السنين.
 
وإذا كان الفزاري قد استعمل في كتابه الأسس والمناهج الهندية في الحساب، ووضع جداول فكلية جديدة (زيج)، وحفظ لنا على العموم أصل المذهب الذي أطلق عليه في العلم العربي "مذهب السند هند"، فإنه أجرى فيه تعديلات وإضافات جوهرية، وقام بتحويل حساب التوقيت الهندي إلى سني العرب؛ أي إنه استبدل به حساب السنين القمرية المستعمل لدى المسلمين.
 
وفي عهد المنصور ظهر كتاب (السند هند) الذي اختصره الخوارزمي وصنع منه زيجه الشهير في طول البلاد العربية وعرضها، وعول فيه على أوصاف (السند هند) وخالفه في التعاديل والميل، فجعل تعاديله على مذهب الفرس، وميل الشمس فيه على مذهب بطليموس، واخترع فيه من أنواع التقرب أبوابًا حسنة، استحسنه أهل ذلك الزمان وطاروا به في الآفاق...

لكن كتاب المجسطي البطليموسي كان أكثر الكتب التي أفادت العرب فلكيًّا.
 
وقد نقل أبو يحيى البطريق كتاب المقالات الأربع لبطليموس في صناعة أحكام النجوم، وهي ذيل على كتابه (المجسطي).
 
كما نُقلت كتب أخرى أرسلها ملك الروم إلى المنصور بناء على طلبه، وقد صنع إبراهيم الفزاري أول مرصد عربي لرصد الأجرام السماوية، وهو المسمى الأسطرلاب.
 
وفي أيام المأمون، أنشأ المأمون في بغداد (بيت الحكمة)، وألحق به مكتبة ضخمة، وبنى مرصدًا في بغداد وآخر في تدمر، وقد أشرف على ذلك فريق عمل على رأسهم علي بن عيسى الأسطرلابي، الذي وضع كتابًا هو الأول من نوعه في كيفية عمل الأسطرلاب، وفي عهد المأمون قام بنو موسى بأعمال فلكية مهمة، وكتبوا في ذلك. كما أنهم شجعوا العلماء وبذلوا لهم الكثير لترجمة الكتب، ومساعدتهم في أبحاثهم.
 
ونذكر أيضًا أبا سعيد الضرير الذي ألف كتابًا عن طرق رسم خط الزوال، والعباس بن سعيد الجوهري الذي اشترك في مرصد بغداد... وهناك الخوارزمي النابغة في علوم عديدة إلى جانب الفلك، ويقال إنه اشترك مع فريق من العلماء في قياس محيط الأرض أيام المأمون، وله جداول فلكية سماها السند هند الصغير، كما ذكرنا من قبل.
 
وهناك كوكبة من علماء الفلك الكبار عاشوا في مصر، منهم الصوفي، الذي رصد مواضع النجوم وقاس مقدار لمعانها وتوزيعها في مجموعات رسمها بدقة، والخجندي، والصاغاني، والسجزي، والنسوي... والكوهي الذي كان رئيس الفلكيين بمرصد السلطان شرف الدولة البويهي...

وفي الأندلس نجد النابغة أبا إسحاق إبراهيم بن يحيى النقاش المعروف بالزرقلي، وهو خير من قام بالأرصاد الفلكية وصناعة الأسطرلاب وتحسينه، حتى سمى إنجازه بالصحيفة الزرقالية.
 
المراصد وآلاتها في الحضارة الإسلامية:

مما يدل على الربط المحكم بين العلمي والعملي، والديني والدنيوي في حضارتنا، وجود هذه المجالات التطبيقية القائمة على الفكر، والتي تخدم الدين والدنيا معًا، في هذه الفترات المبكرة من بروز الحضارة الإسلامية.

ومما لا شك فيه أن علم الفلك من هذه العلوم، فهو علم متصل بالرياضيات، ولا بد فيه من إعمال العقل بقوة، ومن عمق النظر إلى الكون، ومن استعمال أدوات تجعل لعمله قيمة، بل تجعل له نتائج ذات قيمة.
 
وقد بدأ إنشاء المراصد في سنة 215هـ تقريبًا عندما أمر الخليفة المأمون العباسي بإنشاء عدد من المراصد، وبإجراء دراسة تقويمية مقارنة للمعلومات التي جاءت في كتاب المجسطي، سواء في صميم علم الفلك أم في المراصد والآلات المستخدمة فيها؛ مما يوجب عليهم رصد الكواكب واختبار حقيقة ما جاء فيها.

ومن ثَمَّ أقيم المرصد المأموني بالشماسية بأعلى بغداد تحت إشراف الفلكي "سند بن علي"، وأحمد المروزي الشهير بحبش الحاسب.
 
وقد عمل في هذا المرصد عدد من مشاهير الفلكيين، منهم: يحيى بن أبي منصور كبير منجمي المأمون، والعباس بن سعيد الجوهري، وخالد بن عبد الملك، وأبناء موسى بن شاكر، وثابت بن قرة.
 
وفي الوقت نفسه أمر المأمون بإنشاء مرصد في دمشق على جبل قاسيون، فأنجز وبوشر العمل فيه في السنة نفسها.
 
ثم أقيمت بعد المأمون مراصد أخرى، منها مرصد أبناء موسى بن شاكر محمد والحسن وأحمد، وكانوا من المتقدمين في علوم الفلك والرياضيات الذي أقاموه قريبًا من الجسر ببغداد، كما أقيم مرصد بالرقة عرف بمرصد البتاني؛ لطيلة عمل محمد بن جابر البتاني فيه، ومرصد آخر في أنطاكية عمل فيه البتاني بعض الوقت.
 
ومعروف أن أعمال الرصد تحتاج إلى آلات وعدد مختلفة لرصد الكواكب والأفلاك، وقد جهزت المراصد منذ عهد المأمون بالعدد والأجهزة المطلوبة، ولا سيما أن آلات الرصد المتوارثة عند الإغريق كانت بدائية بسيطة لا تفي بالمطالب العلمية للمسلمين المتطلعين إلى تطوير علم الفلك وتحسين أدواته ووسائله؛ ولذا اجتهد العلماء المسلمون في تطوير الآلات القديمة من ناحية.

وفي اختراع آلات جديدة تعاونهم على النهوض برسالتهم من ناحية أخرى. يقول دونالد ر.هيل: "وقد أجرى المسلمون تحسينات على هذه الآلات، فأضافوا مقاييس جديدة، وابتكروا نسخًا معدلة، وأنشئوا آلات أكبر".
 
والأسطرلاب أو أصطرلاب (أسطر لابون = أسطر: النجم، لابون: المرآة) كلمة يونانية قيل إنها لعلم قياس ارتفاع النجوم فوق الأفق، أو ما عرف بعلم النجوم (أسطرنوميا) "Esternomia"، وكان الفزاري أول من عمل الأسطرلاب في الإسلام في القرن الثاني للهجرة (القرن الثامن الميلادي).

وكتب الفزاري عنه، فتعرفنا من خلال ذلك إلى طريقة صناعته له، فكان هناك الأسطرلاب ذو الحلقة، والأسطرلاب المسطح الذي يعد أقدم الأنواع وأكثرها شيوعًا.
 
وقد ألف في الأسطرلاب العديد من علماء الفلك العرب، مجددين ومضيفين، منهم: عمر بن عبد الرحمن الصوفي، وأبو الريحان البيروني... وغيرهم.
 
ويستعمل الأسطرلاب في معرفة أوقات الصلاة، وتعيين اتجاه القبلة، وتعيين المواقع لقياس مساحة الأرض، ولاستخراج عمق الآبار. وهو في الأساس لاستخراج ارتفاع النجوم، أو معرفة محيط الكرة الأرضية، ومعرفة درجات الطول والعرض، وحساب الشهور والتواريخ؛ وقد يقوم الأسطرلاب بأعمال فلكية تعد بالمئات.
 
أشهر أعلام الفلك في الحضارة الإسلامية:

من الصعب حصر أعلام الفلك وأشهر الفلكيين في الحضارة الإسلامية، بيد أننا نؤكد أن الفلك كان من أهم العلوم التي اهتم بها المسلمون والعرب، بل نستطيع القول إنه كان علمًا شائعًا، في كل الحواضر والبلاد؛ بحيث يصبح من الصعب أن نحصر علماء الفلك في بلد واحد من بلاد الحضارة الإسلامية.

أو لدى جنس واحد من أجناس هذه الحضارة، عربًا أو تركًا أو فرسًا (وكلهم متعربون)، أو في لغة واحدة من لغات الحضارة الإسلامية كالعربية أو الأردية أو الفارسية أو التركية، وكلها ذات صلة بالعربية القرآنية (لغة الإسلام الأم).
 
ونتيجة لهذه الصعوبة في حصر العلماء المشتغلين بالفلك وإعطاء هذه الصفحة المشرقة حقها في الحضارة الإسلامية نحيل الدارسين إلى الكتب المتخصصة في علم الفلك عند المسلمين، وإلى كتب أعلام الفلك أنفسهم.

كما أن هذه الصعوبة تفرض علينا أن نقدم أبرز هؤلاء الأعلام بصفة عامة، فمن أبرزهم-عدا من ذكرنا في ثنايا الصفحات السابقة- ابن الهيثم وابن يونس، وابن الدمي، وابن برغوث، وابن عراق، وأبو جعفر الخازن الخراساني، وإسماعيل بن مصطفى، وأولغ بك، والجوهري، والدينوري، والشلي، والصاغاني، والطرابلسي، والفرغاني.

وقاضي زاده الرومي، وقطب الدين الشيرازي، والكندي، والكوهي، والمجريطي (نسبة إلى مجريط- مدريد)، والبيروني (ت 440هـ) العلامة المعروف صاحب الآثار الباقية، وتحقيق ما للهند من مقولة، وله مؤلفات في الفلك نقل بعضها إلى الفرنسية وغيرها، وله نظرية فلكية سماها علماء أوربا: (قاعدة البيروني)...

والبوزجاني (ت 376هـ) له ثمانية مؤلفات في الفلك، نقلها المستشرقون إلى بعض اللغات، ومنها الفرنسية، وقاموا بدراستها وتحليلها.
 
وأخيرًا فإن فضل المسلمين في علم الفلك على العالم يتلخص في:

1- نقل المسلمين للكتب الفلكية القديمة عند اليونان والفرس والروم والسريان، وتصحيح بعض أغلاطها والتوسع فيها، لاسيما أن أصول تلك الكتب ضاعت ولم يبق منها غير ترجماتها في العربية، وهذا ما جعل الأوربيين يأخذون العلم عن المسلمين، فكانوا-أي المسلمون- بذلك أساتذة العالم فيه.
 
2- إضافاتهم المهمة واكتشافاتهم الجليلة التي تقدمت بعلم الفلك شوطًا بعيدًا.
 
3- جعلهم علم الفلك استقرائيًّا، وعدم وقوفهم فيه عند حد النظريات، كما فعل اليونان.
 
4- تطهير علم الفلك من أدران التنجيم.
 
الكاتب: د. عبد الحليم عويس

المصدر: صحيفة الوسيط الإلكترونية